لدى ألعاب السباقات جمهور ضخم حول العالم منذ إنطلاق صناعة ألعاب الفيديو قبل 40 عام مضت، خلال تلك الفترة أنعكست القفزات التقنية الضخمة التي مرت بها الصناعة على مظهر تلك العناوين وأدائها، خاصة ألعاب المحاكاة الواقعية التي تحاول توفير التجربة بكافة تفاصيلها دون التأثير بالسلب على متعة المستخدم، وبما أن رياضة الفورمولا 1 تعتبر رياضة السرعة الأكثر تعقيدا حيث يمثل كل جزء من الثانية فاصلا في تحديد الفائزين والخاسرين، عملت شركة Codemasters على قدم وساق طوال الفترة الماضية لتقديم اللعبة الأمثل لتكلل جهود الشركة بنجاح في الجزء الصادر منذ أيام قليلة F1 2019 والذي استفاد من مزايا الإصدارات السابقة و تفادى عيوبها قدر المستطاع ليضع اللاعبين في مغامرة ممتعة وصعبة كما لو أنه أحد أبرز سائقي السيارات حول العالم.

بالطبع F1 2019 لا تعتبر لعبة جديدة كليا في كافة عناصرها، وهو أمر ليس مفاجيء لأي شخص بالنظر لكونها تعتبر الإصدار العاشر من شركة Codemasters الذي يركز على تلك الرياضة بالإضافة لتوافر العنوان بشكل سنوي، وبالتالي تتمثل التحديثات الرئيسية في تعديل قائمة السائقين والفرق والتصميمات الجديدة للسيارات وتحسين أسلوب اللعب قدر المستطاع، أضف إلى ذلك المستوى الرسومي المبهر الذي قدمه هذا الجزء خاصة فيما يتعلق بنظام الإضاءة والذي يظهر بوضوح في الحلبات الليلية مثل حلبة سنغافورة، أو في “مرسى ياس” بمدينة أبو ظبي حينما ينطلق السباق في وضح النهار وينتهي تحت الأضواء الكاشفة.

أبرز الإضافات التي شهدها هذا الجزء هو الحصول على تراخيص بطولة F2 بشكل رسمي والتي يمكن التطرق لها كخيار منفصل في طور Career، أو خوض سباقات الفورمولا 1 مباشرة من خلال سيناريوهات جديدة تظهر لأول مرة وتساعد اللاعب في التفاعل مع الأحداث بشكل أفضل عوضا عن خوض السباقات بشكل مستمر ودون توقف، حيث تبدأ أحداث هذا الطور من خلال مشاركة اللاعب في سباقات F2 عن طريق سيناريوهات معدة مسبقا تضعه في منافسة مباشرة مع أحد السائقين قبل أن ينتقل كلاهما لعالم الفورمولا 1 ويدخل في منافسة محتدمة تستمر لمواسم طويلة ولكن للأسف سرعان ما تعود الأمور للوضع الطبيعي حيث ينشغل اللاعب أكثر بأدائه والإنتقال بين الفرق المختلفة عوضا عن وجود مقاطع سينمائية أو سيناريوهات أكثر تشعب تجعله يندمج بشكل أفضل مع الأحداث والسائقين الأخرين.

نقل تفاصيل رياضة الفورمولا 1 لألعاب الفيديو بكافة تفاصيلها قد يعتبره البعض أمرا مملا، ولذلك توفر F1 2019 خيارات ممتازة عندما يتعلق الأمر بطريقة خوض السباق وإعدادات السيارت والتحكم في المكابح والسرعة القصوى وغيرها من الأمور، إذا كنت تعتبر نفسك لاعب هاوي وتبحث عن المتعة وقيادة السيارة بسلاسة وسرعة يمكنك دوما استخدام وسائل المساعدة التي تتيح إبطاء سرعة السيارة في المنحنيات بشكل تلقائي وتحدد لك خط التسابق طوال الوقت حتى لا تفقد وقت أكبر دون أن تدري، وفي حال اكتسبت الخبرة الكافية وترغب في مستوى صعوبة أكبر يمكنك دوما زيادة معدل الذكاء الإصطناعي للمنافسين والتخلي عن وسائل المساعدة المختلفة، ولكن خطأ واحدة خلال السباق سيكلفك الكثير مثلما يحدث في السباقات الحقيقية وبالتالي تحتاج إلى ساعات من التدريب والتعلم من أخطائك قبل الإعتماد على مهارتك في القيادة بشكل كامل.

نفس الأمر ينطبق على طريقة خوض السباقات، حيث تتيح اللعبة إمكانية خوض التدريبات الحرة الثلاثة وتحقيق أفضل وقت ممكن من خلال التعديل على السيارة بشكل مستمر للحصول على أفضل أداء، أو خوض الحصلة التأهيلية من خلال لفة واحدة فقط لتحقيق أفضل زمن، أو الإستمرار في القيادة لمدة 15 دقيقة كاملة وتحقيق أفضل وقت خلال تلك الفترة كما تنص قوانين اللعبة.

أسلوب القيادة في F1 2019 ممتع ومثير ولن تجد له مثيل في أي لعبة سيارات أخرى، فتارة تجد نفسك تسير في خط مستقيم بأقصى سرعة تتجاوز الـ300 كم / الساعة قبل أن تضطر لضغط المكابح بكل قوة لعبور المنحنى القادم بشكل صحيح، وتارة أخرى تجد نفسك تهتم أكثر بالحصص التأهيلية لتحقيق مركز إنطلاق مميز خاصة في الحلبات الضيقة التي يصعب تجاوز المنافسين فيها مثل موناكو وسنغافورة، طريقة التحكم في السيارة وصوت المحرك عند الاندفاع بأقصى سرعة يشبه العزف على أله موسيقية باحترافية شديدة، حيث ستجد نفسك تركز بشكل كامل على الطريق وتحاول الخروج من كل منحنى بشكل صحيح وعدم الإبتعاد عن خط التسابق لتحقيق أفضل وقت والاقتراب من المراكز الأولى.

وحتى لا تفقد اللعبة متعتها بشكل كامل تم التغاضي عن بعض الأمور التي تشكل جزءا رئيسيا في عالم الفورمولا 1، على سبيل المثال لن تلاحظ الإطارات المتهالكة مهما بلغ عدد اللفات التي قمت بها، كما أن الاصطدامات غير واقعية في كثير من المواقف، فالجميع يعلم أن التلامس بين السيارات قد يسبب مشاكل عديدة مثل فقدان جزء من الجناح الخلفي أو الأمامي والذي يترتب عليه فقدان السيارة لسرعتها الحقيقية بمرور الوقت، ولكن هنا يمكن أن تصطدم بالسيارات حولك أكثر من مرة دون أن تتعرض لأي عقوبة ودون أن تتأثر السيارة بالسلب، حتى أن الحوادث العنيفة تقتصر على الخروج خارج الحلبة والعودة بشكل خطر أو الإصطدام بالجدار بسرعة كبيرة، دون ذلك يستمر السباق دون توقف مهما اصطدمت بالأخرين، ونادرا ما تجد نفسك تتعرض لعقوبة أو يفرض عليك العودة إلى المرآب لتغيير القطعة المتضررة، الأمر الذي قد يعتبره البعض عيب واضح خاصة لأولئك الذين يبحثون عن خوض السباقات بكافة تفاصيلها الحقيقية تماما كما يحدث على أرض الواقع.

أحد التغييرات التي أصبحت موضع ترحاب بالنسبة لي في هذا الجزء هي التحديات التي يواجهها اللاعب في منتصف الموسم بين كل سباق والآخر، مثل خوض سباق كلاسيكي اعتمادا على سيارات حقبة السبعينات وضرورة الوصول لمناطق معينة على المسار في وقت محدد، أو التطرق لسباق سرعة اعتمادا على تجاوز المنافسين في سيارة فيراري للعام 2004، تلك الميزة تجعل اللاعب يتطرق للسيارات الكلاسيكية التي توفرها اللعبة و تتيح له التعرف على مدى التقدم التكنولوجي الذي شهدته تلك الرياضة في الفترة الأخيرة مقارنة بالسيارات التي استخدمها السائقون قبل 10 سنوات على أقل تقدير.

بعد كل سباق في بطولة العالم يتم استضافة اللاعب في لقاء تلفزيوني سريع للتعرف على وجهة نظره بخصوص السباق وأداء المنافسين، وبناءا على الأجوبة التي يستقر عليها المستخدم يتم تحديد شخصيته ما إذا كان شخصا يعترف بفضل الفريق وجهوده، أو يعتليه الغرور وينسب كل فضل لنفسه، تلك الأمور تؤثر بشكل مباشر في سمعتك ومدى  نجاح مفاوضاتك مع الفرق الأخرى للانتقال لها مستقبلا خاصة وأن اللاعب يستقبل العديد من العروض طوال الموسم مما يتيح له حرية كبيرة في تجربة كافة السيارات والإستقرار على الفريق الملائم لأسلوبه.

وبغض النظر عن طور اللعب الفردي توفر F1 2019 منافسات جماعية مثيرة سواء من خلال التحديات الأسبوعية أو الأحداث الدورية أو السباقات المباشرة مع لاعبين أخرين، ولكن لا أنصح أي شخص بالتطرق لتلك المنافسات إلا بعد إتقان أسلوب القيادة تماما والتخلي عن معظم وسائل المساعدة وإلا سيجد نفسه غير قادر على الإقتراب من المنافسين في حال لم يكن على علم كافي بتصميم الحلبة وخطوط التسابق وكيفية التعامل مع كل منحنى بشكل صحيح.

 

.

اترك تعليقاً